السبت، 22 ديسمبر 2012

المخرج السينمائى والتليفزيونى

 


:: المخرج السينمائى والتليفزيونى ::



العمل فى فنون السينما والتليفزيون يعتبر أمر مثير بحد ذاته , ولكن الأكثر جاذبية هو بالذات عمل المخرج . وهناك الألاف من الناس يعملون فى مجال الفن , يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة مجموعات :

المجموعة الأولى من الفنانين : وهى تضم أولئك الذين لا يحتاجون إلى أى وسيط , لكى يوصلوا إبداعهم إلى المستهلك أو إلى المتفرج أو المستمع , مثل الكاتب والرسام والنحات .

المجموعة الثانية من الفنانين : لأنه ليست كل الفنون قادرة على أن تنتقل بشكل مباشر من المبدع إلى المستهلك كما فى المجموعة الأولى, لذلك هناك مجموعة كاملة من الفنون يستحيل فيها هذا الانتقال المباشر , وهكذا فالمجموعة الثانية تضم الفنانين الذين يحتاجون إلى وسطاء , كى ينقلوا أفكارهم إلى المستهلك أو إلى المتفرج أو المستمع , ومن أبرزهم المخرج السينمائى والتليفزيونى .

المجموعة الثالثة من الفنانين : هم الوسطاء و هم الذى ينتمى كل الجيش الضخم المكون من ممثلى السينما و المسرح , من عازفى الموسيقى , قادة الأوركسترا , المصورين ,المونترين , مهندسى الديكور و.... إلخ , إن عمل هؤلاء الناس عمل إبداعى يقع فى المرتبة الثانية . فهم يترجمون عمل الفنان الرئيسى , ينقلونه إلى المتفرج .

وحتى نتعرف على عمل المخرج دعونا ننظر إلى كيف يتم صنع لقطة ما فى أى فيلم سينمائى أو تليفزيونى . فلنفترض أن هناك لقطة تصور فى غرفة ليلاً , وضوء القمر الشاحب ينبثق من خلف النافذة , وتظهر شمعة مضاءة على الطاولة , ومن مكان ما يسمع صوت الموسيقى, وهناك شاب وفتاة يتغازلان . من الذى يصنع هذه اللقطة ؟ فى البداية يخلق كاتب السيناريو نص المغازلة بين الشاب والفتاة وكل محتوى المشهد , ثم يبدأ مهندس الديكور فى رسم ديكور الغرفة على الورق , ومن ثم يتم تركيبها داخل الأستوديو , ويقوم مدير التصوير بإضاءتها , ويقوم المصور بوضع الكاميرا فى مكانها ويحدد من أين و بأية عدسة سيصور هذه اللقطة . ثم يكتب الملحن , الموسيقى التى ستسمع من خلف اللقطة . وتقوم الأوركسترا بعزف هذه الموسيقى . أما الصوت - سواء أصوات الممثلين أو الموسيقى - فقد سجل على الفيلم بواسطة مسجل الصوت . وأخيرا , يؤدى ممثل وممثلة دورى الشاب والفتاة .

وهكذا يشارك فى خلق هذه اللقطة العديد من العاملين الإبداعين . ولن نجد بينهم مكانا لشخص واحد فقط هو المخرج. ومع ذلك, فلو أننا تواجدنا أثناء تصوير هذه اللقطة , لسمعنا الصوت التالى : "انتباه ,استعدوا , كاميرا , حركة , تصوير " . وسنسمع نفس الصوت مع إنتهاء اللقطة : " قف , مرة أخرى " . أنه صوت المخرج .

إذن ما الذى يفعله المخرج ضمن مجموعة الفنانين المختصين المسؤولين , الذين عددناهم ؟ وما هى الحاجة إليه ؟

إن المخرج لا يعمل شيئا بنفسه , إنه فقط يقود الآخرين . لا توجد عنده وسائل تدل على عمله الإبداعى . فالرسام يعمل بواسطة الريشة , و النحات بواسطة الأزميل : أما الكاتب و الموسيقى فيتعاملان مع القلم والورق , فيما يمتلك الممثل صوته وجسده الخاص . ولكن لا يوجد شئ عند المخرج .

ومع ذلك فإن عمل المخرج , وبخاصة فى السينما والتليفزيون- هو عمل مهم و يقع فى أعلى درجات التخصص المعاصر فى مجال الفن : فإذا كان الممثل يقف ما بين المتفرج ومؤلف الفيلم باعتباره مترجما لفكرة المؤلف إلى لغة الفعل السينمائى والتليفزيونى , فإن المخرج يقف ما بين الممثل والمؤلف الأصلى . لذا فإن المخرج هو مترجم للمترجمين . إنه أول من يفسر العمل الفنى و ينقل تفسيره , ورؤيته لما كتبه المؤلف , إلى كل مجموعة العاملين فى الفيلم .إنه يعطى لمهندس الديكور ومدير التصوير وجهة نظره بالنسبة للتصميم البصرى للفيلم . إنه يعمل مع مهندس الديكور فى مجال الشكل العام للديكور , ألوانه , ترتيبه , وفى مجال نوعية الملابس , ويدرس مع مدير التصوير طبيعة الضوء , وتقسيم المشاهد إلى لقطات منفصلة , وتكوين هذه اللقطات , وكل الحل التصويرى للفيلم . كما أنه يدرب الممثلين , أى أنه يخزن فيهم فهمه للعمل , مطابقا ما بين فهمه وخواص الممثلين , إنه يفسر أيضاً للملحن موقفه بالنسبة للموسيقى , متى يجب أن تسمع , وما هى طبيعتها .

ولأن الفيلم كله يتكون من لقطات منفردة , لذا فإن لصق هذه اللقطات أثناء مرحلة المونتاج هى عملية شديدة التعقيد يقوم بها المونتير , وعلى المخرج أن يقوده أيضا أثناء المونتاج .وهو يعمل أيضا مع مسجل الصوت , ومهندس الصوت , أنه يعمل مع عشرات الناس , إنهم الوسيلة الإنتاجية التى بحوزته, و ليس الريشة أو القماش , أو الأزميل , أو القلم و الورقة .

وأن تصوغ العمل الفنى , مستخدما الناس الأحياء كأداة عمل , و ليس الآلات الميتة , هو أمر أكثر تعقيدا , بقدر ما أن الإنسان أكثر تعقيدا من الريشة والأزميل .نحن عادة نطلق لقب الاستغلال على الإنسان الذى يستغل جهد غيره . و إذا كان الأمر كذلك , فإن أحد أكبر هؤلاء الاستغلاليين , هو بالذات المخرج السينمائى أو المخرج التليفزيونى . فأنتم لا تجدون فى الفيلم أية آثار مرئية لعمله , فهو لم يفعل هناك شيئا , لم ينطق بكلمة واحدة , لم يعزف نوتة واحدة , لم يرسم شيئا , لم ينحت , لم يلصق شيئا , ومع ذلك فإنكم ترون شخصيته فى الفيلم بدرجة من الوضوح , بحيث أن المخرج الخبير لن تحتاج إلى عناوين فى المقدمة لكى يحرز المتفرج من هو هذا المخرج الذى نفذ الفيلم الذى يشاهده . و بالطبع , هذا فى حال كونه مخرجاً موهوبا ومتميزا. وهكذا نرى أن هناك عدد كبيرا جدا من الناس المنتمين إلى مختلف أنواع المهن يعملون فى الفيلم , وأن هناك حاجة لإنسان يستطيع أن يصبح مركزأ لهذا العمل المتنوع الهادف وإلى تحويل الكلمة المكتوبة إلى لقطة سينمائية . إن هذا الأنسان هو - المخرج .

فالمخرج إذ يصور لقطة منفردة فإنه فقط يستطيع بتصوره العقلى أن يتخيل كيف ستبدو اللقطات اللاحقة . إنه يشتغل فى كل لحظة منفردة على أصغر أجزاء الكل , على واحد من خمسمائة لقطة , و طالما أن هذه اللقطات الخمسمائة المنفردة لم تصور ولم تلصق بعد , فإن المشاركين فى الفيلم لن يعرفوا كيف سيكون الفيلم .

فلضروريات العمل الانتاجى يتم تقسيم لقطات الفيلم إلى مجموعتين الأولى : هى المشاهد المصورة خارج الأستوديو - أى فى الشارع , فى القرية , أو فى الصحراء , إلخ ....والثانية هى لقطات الفيلم التى يتم تصويرها داخل الأستوديو . ولأسباب محض اقتصادية غالبا ما يبدأ تصوير المجموعة الثانية من لقطات الفيلم , و بالتالى فإن الممثلين مضطرين للبدء بتمثيل لقطات قد تكون من نهاية الفيلم قبل لقطات لم يقوما بتمثيلها بعد تأتى فى بداية الفيلم . بل وليس ذلك فقط , فالتصوير قد يبدأ أحيانا من الديكور الذى سيظهر فى وسط الفيلم .

إن المخرج , إذ يصور مقطعا ما من الفيلم , عليه أن يتصور بعقله الفيلم بكامله , أن يتخيل كيف ستكون المشاهد التى لم تصور بعد , والتى ستوجد فى الفيلم قبل هذا المقطع أو بعده . أن يفكر أن الفيلم سيتطور ضمن وتيرة متنامية , وهو وحده الذى يعرف إلى أى درجة من العمل سيوصل وتيرة الفيلم اقترابا عن طريق اللقطة التى يتم تصويرها . و يستحيل على المخرج أن يلخص بالكلمات , لكل مجموعة العمل , فكرة الفيلم الإيقاعية . وحتى لو أنه كرس عدة أيام لهذا الغرض , فلن يتمكن أحد اعتمادا على كلماته من أن يتصور بوضوح حتى النهاية كل تفاصيل الفيلم كله .وهكذا فإن المخرج إذ يشتغل على لقطة ما , فهو يعرف و يشعر بالكثير , مما لا يعرفه و لا يشعر به الآخرون , يرى الكثير مما لا يراه أحد غيره. أنه مثلا , يعرف الموسيقى التى ستسمع هنا , وهى لم تكتب بعد . لهذا السبب بالذات فإن دور المخرج مسؤول و معقد بشكل خاص , إذ عليه أن يفرض على مجموعة شديدة التنوع من الناس أن يثقوا به بشكل مطلق وأن يسيروا وراءه بلا شروط .

أخيراً ما هى الصفات التى يجب أن يمتلكها المخرج سواء السينمائى أو التليفزيونى ؟

أولاً - الخاصية الأساسية للمخرج هى القدرة على العمل مع الممثل , وهى نوع من القدرة التعليمية والنفاذ إلى أعماق النفس .

ثانياً- إحدى أهم جوانب الموهبة الإخراجية هى حدة العين أى القدرة على الرؤية .

ثالثاً- أما الخاصية الرئيسية للمخرج فهى معرفته الموسيقية و إحساسه بالإيقاع .

رابعاً- على المخرج أن يكون حيويا , حرالأرادة , متأهبا , عمليا .

وهناك على الأغلب صفة واحدة تجمع كل المخرجين , إنها حب العمل فليس هناك مخرجاً كسولا فهذا مستحيل .

ولكن هل يمكن أن يصبح الإنسان مخرجا سينمائيا دون أن ينهى معهدا دراسيا عاليا ؟ أن معظم مخرجى العالم ومن ضمنهم مخرجى الجيل القديم عندنا لم يدرسوا فى معاهد سينمائية متخصصة. ولكن حاليا يدرس المخرجون عندنا فى معهد السينما , لقد أصبحت الدراسة الآن معقدة جدا فيما صارت مهنة الإخراج نتيجة لذلك تتطلب ذلك القدر من المعارف , بحيث أصبحت الدراسة الاختصاصية العليا مطلبا حتميا للنشاط الإخراجى .

0 التعليقات:

إرسال تعليق