:: المخرج السينمائى والتليفزيونى ::
العمل فى فنون السينما والتليفزيون يعتبر أمر مثير بحد ذاته , ولكن الأكثر
جاذبية هو بالذات عمل المخرج . وهناك الألاف من الناس يعملون فى مجال
الفن , يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة مجموعات :
المجموعة الأولى من الفنانين
: وهى تضم أولئك الذين لا يحتاجون إلى أى وسيط , لكى يوصلوا إبداعهم إلى
المستهلك أو إلى المتفرج أو المستمع , مثل الكاتب والرسام والنحات .
المجموعة الثانية من الفنانين : لأنه ليست كل الفنون قادرة على أن تنتقل
بشكل مباشر من المبدع إلى المستهلك كما فى المجموعة الأولى, لذلك هناك
مجموعة كاملة من الفنون يستحيل فيها هذا الانتقال المباشر , وهكذا
فالمجموعة الثانية تضم الفنانين الذين يحتاجون إلى وسطاء , كى ينقلوا
أفكارهم إلى المستهلك أو إلى المتفرج أو المستمع , ومن أبرزهم المخرج
السينمائى والتليفزيونى .
المجموعة الثالثة من الفنانين : هم الوسطاء و
هم الذى ينتمى كل الجيش الضخم المكون من ممثلى السينما و المسرح , من
عازفى الموسيقى , قادة الأوركسترا , المصورين ,المونترين , مهندسى الديكور
و.... إلخ , إن عمل هؤلاء الناس عمل إبداعى يقع فى المرتبة الثانية . فهم
يترجمون عمل الفنان الرئيسى , ينقلونه إلى المتفرج .
وحتى نتعرف على
عمل المخرج دعونا ننظر إلى كيف يتم صنع لقطة ما فى أى فيلم سينمائى أو
تليفزيونى . فلنفترض أن هناك لقطة تصور فى غرفة ليلاً , وضوء القمر الشاحب
ينبثق من خلف النافذة , وتظهر شمعة مضاءة على الطاولة , ومن مكان ما يسمع
صوت الموسيقى, وهناك شاب وفتاة يتغازلان . من الذى يصنع هذه اللقطة ؟ فى
البداية يخلق كاتب السيناريو نص المغازلة بين الشاب والفتاة وكل محتوى
المشهد , ثم يبدأ مهندس الديكور فى رسم ديكور الغرفة على الورق , ومن ثم
يتم تركيبها داخل الأستوديو , ويقوم مدير التصوير بإضاءتها , ويقوم المصور
بوضع الكاميرا فى مكانها ويحدد من أين و بأية عدسة سيصور هذه اللقطة . ثم
يكتب الملحن , الموسيقى التى ستسمع من خلف اللقطة . وتقوم الأوركسترا بعزف
هذه الموسيقى . أما الصوت - سواء أصوات الممثلين أو الموسيقى - فقد سجل على
الفيلم بواسطة مسجل الصوت . وأخيرا , يؤدى ممثل وممثلة دورى الشاب والفتاة
.
وهكذا يشارك فى خلق هذه اللقطة العديد من العاملين الإبداعين . ولن
نجد بينهم مكانا لشخص واحد فقط هو المخرج. ومع ذلك, فلو أننا تواجدنا أثناء
تصوير هذه اللقطة , لسمعنا الصوت التالى : "انتباه ,استعدوا , كاميرا ,
حركة , تصوير " . وسنسمع نفس الصوت مع إنتهاء اللقطة : " قف , مرة أخرى " .
أنه صوت المخرج .
إذن ما الذى يفعله المخرج ضمن مجموعة الفنانين المختصين المسؤولين , الذين عددناهم ؟ وما هى الحاجة إليه ؟
إن المخرج لا يعمل شيئا بنفسه , إنه فقط يقود الآخرين . لا توجد عنده
وسائل تدل على عمله الإبداعى . فالرسام يعمل بواسطة الريشة , و النحات
بواسطة الأزميل : أما الكاتب و الموسيقى فيتعاملان مع القلم والورق , فيما
يمتلك الممثل صوته وجسده الخاص . ولكن لا يوجد شئ عند المخرج .
ومع ذلك
فإن عمل المخرج , وبخاصة فى السينما والتليفزيون- هو عمل مهم و يقع فى
أعلى درجات التخصص المعاصر فى مجال الفن : فإذا كان الممثل يقف ما بين
المتفرج ومؤلف الفيلم باعتباره مترجما لفكرة المؤلف إلى لغة الفعل
السينمائى والتليفزيونى , فإن المخرج يقف ما بين الممثل والمؤلف الأصلى .
لذا فإن المخرج هو مترجم للمترجمين . إنه أول من يفسر العمل الفنى و ينقل
تفسيره , ورؤيته لما كتبه المؤلف , إلى كل مجموعة العاملين فى الفيلم .إنه
يعطى لمهندس الديكور ومدير التصوير وجهة نظره بالنسبة للتصميم البصرى
للفيلم . إنه يعمل مع مهندس الديكور فى مجال الشكل العام للديكور , ألوانه
, ترتيبه , وفى مجال نوعية الملابس , ويدرس مع مدير التصوير طبيعة الضوء ,
وتقسيم المشاهد إلى لقطات منفصلة , وتكوين هذه اللقطات , وكل الحل
التصويرى للفيلم . كما أنه يدرب الممثلين , أى أنه يخزن فيهم فهمه للعمل ,
مطابقا ما بين فهمه وخواص الممثلين , إنه يفسر أيضاً للملحن موقفه بالنسبة
للموسيقى , متى يجب أن تسمع , وما هى طبيعتها .
ولأن الفيلم كله يتكون
من لقطات منفردة , لذا فإن لصق هذه اللقطات أثناء مرحلة المونتاج هى عملية
شديدة التعقيد يقوم بها المونتير , وعلى المخرج أن يقوده أيضا أثناء
المونتاج .وهو يعمل أيضا مع مسجل الصوت , ومهندس الصوت , أنه يعمل مع عشرات
الناس , إنهم الوسيلة الإنتاجية التى بحوزته, و ليس الريشة أو القماش ,
أو الأزميل , أو القلم و الورقة .
وأن تصوغ العمل الفنى , مستخدما
الناس الأحياء كأداة عمل , و ليس الآلات الميتة , هو أمر أكثر تعقيدا ,
بقدر ما أن الإنسان أكثر تعقيدا من الريشة والأزميل .نحن عادة نطلق لقب
الاستغلال على الإنسان الذى يستغل جهد غيره . و إذا كان الأمر كذلك , فإن
أحد أكبر هؤلاء الاستغلاليين , هو بالذات المخرج السينمائى أو المخرج
التليفزيونى . فأنتم لا تجدون فى الفيلم أية آثار مرئية لعمله , فهو لم
يفعل هناك شيئا , لم ينطق بكلمة واحدة , لم يعزف نوتة واحدة , لم يرسم شيئا
, لم ينحت , لم يلصق شيئا , ومع ذلك فإنكم ترون شخصيته فى الفيلم بدرجة من
الوضوح , بحيث أن المخرج الخبير لن تحتاج إلى عناوين فى المقدمة لكى يحرز
المتفرج من هو هذا المخرج الذى نفذ الفيلم الذى يشاهده . و بالطبع , هذا فى
حال كونه مخرجاً موهوبا ومتميزا. وهكذا نرى أن هناك عدد كبيرا جدا من
الناس المنتمين إلى مختلف أنواع المهن يعملون فى الفيلم , وأن هناك حاجة
لإنسان يستطيع أن يصبح مركزأ لهذا العمل المتنوع الهادف وإلى تحويل الكلمة
المكتوبة إلى لقطة سينمائية . إن هذا الأنسان هو - المخرج .
فالمخرج إذ
يصور لقطة منفردة فإنه فقط يستطيع بتصوره العقلى أن يتخيل كيف ستبدو
اللقطات اللاحقة . إنه يشتغل فى كل لحظة منفردة على أصغر أجزاء الكل , على
واحد من خمسمائة لقطة , و طالما أن هذه اللقطات الخمسمائة المنفردة لم تصور
ولم تلصق بعد , فإن المشاركين فى الفيلم لن يعرفوا كيف سيكون الفيلم .
فلضروريات العمل الانتاجى يتم تقسيم لقطات الفيلم إلى مجموعتين الأولى :
هى المشاهد المصورة خارج الأستوديو - أى فى الشارع , فى القرية , أو فى
الصحراء , إلخ ....والثانية هى لقطات الفيلم التى يتم تصويرها داخل
الأستوديو . ولأسباب محض اقتصادية غالبا ما يبدأ تصوير المجموعة الثانية من
لقطات الفيلم , و بالتالى فإن الممثلين مضطرين للبدء بتمثيل لقطات قد
تكون من نهاية الفيلم قبل لقطات لم يقوما بتمثيلها بعد تأتى فى بداية
الفيلم . بل وليس ذلك فقط , فالتصوير قد يبدأ أحيانا من الديكور الذى سيظهر
فى وسط الفيلم .
إن المخرج , إذ يصور مقطعا ما من الفيلم , عليه أن
يتصور بعقله الفيلم بكامله , أن يتخيل كيف ستكون المشاهد التى لم تصور بعد ,
والتى ستوجد فى الفيلم قبل هذا المقطع أو بعده . أن يفكر أن الفيلم سيتطور
ضمن وتيرة متنامية , وهو وحده الذى يعرف إلى أى درجة من العمل سيوصل وتيرة
الفيلم اقترابا عن طريق اللقطة التى يتم تصويرها . و يستحيل على المخرج أن
يلخص بالكلمات , لكل مجموعة العمل , فكرة الفيلم الإيقاعية . وحتى لو أنه
كرس عدة أيام لهذا الغرض , فلن يتمكن أحد اعتمادا على كلماته من أن يتصور
بوضوح حتى النهاية كل تفاصيل الفيلم كله .وهكذا فإن المخرج إذ يشتغل على
لقطة ما , فهو يعرف و يشعر بالكثير , مما لا يعرفه و لا يشعر به الآخرون ,
يرى الكثير مما لا يراه أحد غيره. أنه مثلا , يعرف الموسيقى التى ستسمع هنا
, وهى لم تكتب بعد . لهذا السبب بالذات فإن دور المخرج مسؤول و معقد بشكل
خاص , إذ عليه أن يفرض على مجموعة شديدة التنوع من الناس أن يثقوا به بشكل
مطلق وأن يسيروا وراءه بلا شروط .
أخيراً ما هى الصفات التى يجب أن يمتلكها المخرج سواء السينمائى أو التليفزيونى ؟
أولاً - الخاصية الأساسية للمخرج هى القدرة على العمل مع الممثل , وهى نوع من القدرة التعليمية والنفاذ إلى أعماق النفس .
ثانياً- إحدى أهم جوانب الموهبة الإخراجية هى حدة العين أى القدرة على الرؤية .
ثالثاً- أما الخاصية الرئيسية للمخرج فهى معرفته الموسيقية و إحساسه بالإيقاع .
رابعاً- على المخرج أن يكون حيويا , حرالأرادة , متأهبا , عمليا .
وهناك على الأغلب صفة واحدة تجمع كل المخرجين , إنها حب العمل فليس هناك مخرجاً كسولا فهذا مستحيل .
ولكن هل يمكن أن يصبح الإنسان مخرجا سينمائيا دون أن ينهى معهدا دراسيا
عاليا ؟ أن معظم مخرجى العالم ومن ضمنهم مخرجى الجيل القديم عندنا لم
يدرسوا فى معاهد سينمائية متخصصة. ولكن حاليا يدرس المخرجون عندنا فى معهد
السينما , لقد أصبحت الدراسة الآن معقدة جدا فيما صارت مهنة الإخراج نتيجة
لذلك تتطلب ذلك القدر من المعارف , بحيث أصبحت الدراسة الاختصاصية العليا
مطلبا حتميا للنشاط الإخراجى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق